فصل: الرَّجُلُ يَكْتَرِي الْأَرْضَ وَفيهَا النَّخْلُ فَتُصِيبُهَا جَائِحَةٌ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.جَائِحَةُ الْحَائِطُ الْمُسَاقِي:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ دَفَعْت نَخْلًا إلَى رَجُلٍ مُسَاقَاةً، فَلَمَّا عَمِلَ أَصَابَتْ الثَّمَرَةَ جَائِحَةُ بَرَدٍ أَوْ جَرَادٌ أَوْ رِيحٌ فَأَسْقَطَهُ، مَا تَقُولُ في ذَلِكَ؟ وَهَلْ سَمِعَتْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: أَرَاهُ جَائِحَةً تُوضَعُ عَنْهُ.
وَذَكَرَ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: إذَا كَانَ الَّذِي أَصَابَهُ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ، لَمْ يُوضَعْ عَنْهُ سَقْيُ شَيْءٍ مِنْ الْحَائِط، وَلَزِمَهُ عَمَلُ الْحَائِطِ كُلِّهِ، وَإِذَا أَصَابَتْ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا، كَانَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ سَقَى الْحَائِطَ كُلَّهُ وَإِنْ شَاءَ وُضِعَ عَنْهُ سَقْيُ الْحَائِطِ كُلِّهِ.
وَلَقَدْ تَكَلَّمَ بِهِ مَالِكٌ وَأَنَا عِنْدَهُ قَاعِدٌ فَلَمْ أَحْفَظْ تَفْسِيرَهُ، وَكَانَ سَعْدٌ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنِّي فَأَخْبَرَنِي بِهِ سَعْدٌ.

.الرَّجُلُ يَكْتَرِي الْأَرْضَ وَفيهَا النَّخْلُ فَتُصِيبُهَا جَائِحَةٌ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْت أَرْضًا بَيْضَاءَ وَفيهَا سَوَادٌ، فَاشْتَرَطْتُ السَّوَادَ أَيَكُونُ ذَلِكَ جَائِزًا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ، إذَا كَانَ السَّوَادُ الثُّلُثَ فَأَدْنَى.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ السَّوَادُ الثُّلُثَ فَأَدْنَى، فَاكْتَرَى الْأَرْضَ وَاشْتَرَطَ السَّوَادَ، فَأَثْمَرَ السَّوَادُ، فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ أَتَتْ عَلَى جَمِيعِ الثَّمَرِ، أَيُوضَعُ عَنْ الْمُتَكَارِي شَيْءٌ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يُوضَعُ عَنْهُ شَيْءٌ لِلْجَائِحَةِ، لِأَنَّ السَّوَادَ إنَّمَا كَانَ مُلْغًى وَكَانَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ أَيْضًا، الدَّارُ يَكْتَرِيهَا الرَّجُلُ وَفيهَا نَخَلَاتٌ يَسِيرَةٌ فَاشْتَرَطَهَا الْمُتَكَارِي، فَأَصَابَتْ الثَّمَرَةَ جَائِحَةٌ، أَنَّهُ لَا يُوضَعُ لِلْمُتَكَارِي شَيْءٌ مِنْ الْكِرَاءِ لِلَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَائِحَةُ مِنْ الثَّمَرَةِ؟ قَالَ نَعَمْ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَا سَأَلْتُكَ عَنْهُ مِنْ الرَّجُلِ الَّذِي يَكْتَرِي الدَّارَ، وَاسْتَثْنَى النَّخْلَ وَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ، لِأَنَّ النَّخْلَ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ، فَأَثْمَرَتْ النَّخْلُ، فَأَصَابَتْ الثَّمَرَةَ جَائِحَةٌ، أَيُوضَعُ عَنْهُ لِذَلِكَ مِنْ الْكِرَاءِ شَيْءٌ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يُوضَعُ عَنْهُ لِلْجَائِحَةِ مِنْ الْكِرَاءِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قُلْت: وَلِمَ لَا يُوضَعُ عَنْهُ لِلْجَائِحَةِ، وَقَدْ وَقَعَ الْكِرَاءُ عَلَى ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَعَلَى كِرَاءِ الدَّارِ؟
قَالَ: لِأَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا مِنْ الْكِرَاءِ شَيْءٌ، وَإِنْ اُشْتُرِطَتْ وَإِنَّمَا هِيَ تَبَعٌ لِلدَّارِ، وَهِيَ تُشْتَرَطُ وَلَيْسَ فيهَا ثَمَرٌ فيجُوزُ، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهَا لَغْوٌ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْت دَارًا وَفيهَا نَخْلٌ كَثِيرٌ، وَلَيْسَ النَّخْلُ تَبَعًا لِلدَّارِ، فَاكْتَرَيْتُ الدَّارَ وَاشْتَرَطْت مَا في رُءُوسِ النَّخْلِ مِنْ الثَّمَرَةِ؟
قَالَ: إنْ كَانَ مَا في رُءُوسِ النَّخْلِ مِنْ الثَّمَرَةِ قَدْ طَابَ لِلْبَيْعِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ مَا في رُءُوسِ النَّخْلِ مِنْ الثَّمَرَةِ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَالْكِرَاءُ بَاطِلٌ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ مَا في رُءُوسِ النَّخْلِ قَدْ حَلَّ بَيْعُهُ، فَاكْتَرَيْتُ الدَّارَ وَاشْتَرَطْت مَا في رُءُوسِ النَّخْلِ؟
قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ.
قُلْت: فَإِنْ أَصَابَتْ الثَّمَرَةَ الَّتِي في رُءُوسِ النَّخْلِ جَائِحَةٌ، وَأَصَابَتْ الْجَائِحَةُ ثُلُثَ ثَمَرَةِ النَّخْلِ فَصَاعِدًا؟
قَالَ: يُوضَعُ ذَلِكَ عَنْ الْمُتَكَارِي الَّذِي اشْتَرَطَ ثَمَرَةَ النَّخْلِ.
قُلْت: وَكَيْفَ يُوضَعُ ذَلِكَ عَنْ الْمُتَكَارِي؟
قَالَ: يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ يَوْمَ اكْتَرَى الدَّارَ وَإِلَى مِثْلِ كِرَاءِ الدَّارِ، فيقَسِّمُ الثَّمَنَ عَلَى ذَلِكَ.
فَمَا أَصَابَتْ الثَّمَرَةَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ ثَمَنُ الثَّمَرَةِ، فَإِنْ أَصَابَتْ الْجَائِحَةُ ثُلُثَ الثَّمَرَةِ وُضِعَ عَنْهُ ثُلُثُ الثَّمَنِ، مِنْ حِصَّةِ مَا أَصَابَتْ الثَّمَرَةَ مِنْ جَمِيعِ مَا نَقَدَ الْمُتَكَارِي، وَإِنْ أَصَابَتْ الْجَائِحَةُ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ، لَمْ يُوضَعْ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

.كِتَابُ الشَّرِكَةِ:

.في الشَّرِكَةِ بِغَيْرِ مَالٍ:

قُلْت: لِابْنِ الْقَاسِمِ: هَلْ تَجُوزُ الشَّرِكَةُ في قَوْلِ مَالِكٍ بِغَيْرِ مَالٍ مِنْ وَاحِدٍ مَنْ الشَّرِيكَيْنِ، يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: هَلُمَّ نَشْتَرِكُ: نَشْتَرِي وَنَبِيعُ، يَتَفَاوَضَانِ في ذَلِكَ وَقَدْ فَوَّضَ هَذَا إلَيْهِ هَذَا وَهَذَا إلَيْهِ هَذَا.
فَمَا اشْتَرَى هَذَا فَقَدْ فَوَّضَ هَذَا إلَيْهِ وَقَبِلَ شِرَاءَهُ وَضَمِنَ مَعَهُ، وَإِنْ اشْتَرَى هَذَا أَيْضًا كَذَلِكَ، أَتَجُوزُ هَذِهِ الشَّرِكَةُ فيمَا بَيْنَهُمَا؟
قَالَ: لَا تَجُوزُ عِنْدِي، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في رَجُلَيْنِ لَيْسَ لَهُمَا رَأْسُ مَالٍ، أَوْ لَهُمَا رَأْسُ مَالٍ قَلِيلٍ، خَرَجَ أَحَدُهُمَا إلَى بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ وَأَقَامَ الْآخَرُ.
فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: اشْتَرِ هُنَاكَ وَبِعْ، فَمَا اشْتَرَيْتَ وَبِعْتَ فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ مَعَكَ، وَمَا اشْتَرَيْتُ أَنَا وَبِعْتُ فَأَنْتَ لَهُ ضَامِنٌ مَعِي.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ هَذِهِ الشَّرِكَةُ، وَأَحَدُهُمَا يُجَهِّزُ عَلَى صَاحِبِهِ، فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُكَ لَا تَجُوزُ وَإِنْ كَانَا مُقِيمَيْنِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنَّ هَذَا عِنْدِي يُكْرَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّ هَذَا يَقُولُ لَهُ تَحَمَّلْ عَنِّي بِنِصْفِ مَا اشْتَرَيْتُ، عَلَى أَنْ أَتَحَمَّلَ عَنْكَ بِنِصْفِ مَا اشْتَرَيْتَ، فَلَا يَجُوزُ هَذَا وَإِنَّمَا الشَّرِكَةُ عَلَى الْأَمْوَالِ أَوْ عَلَى الْأَعْمَالِ بِالْأَبْدَانِ إذَا كَانَتْ الْأَعْمَالُ وَاحِدَةً.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَكَا بِغَيْرِ مَالٍ، عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا الرَّقِيقَ بِوُجُوهِهِمَا، فَمَا اشْتَرَيَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا لَهُمَا رِبْحُهُ وَعَلَيْهِمَا وَضِيعَتُهُ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ في هَذَا شَيْئًا، وَلَا تُعْجِبُنِي هَذِهِ الشَّرِكَةُ، مِثْلُ مَا قَالَ في الشَّرِيكَيْنِ اللَّذَيْنِ أَخْبَرْتُكَ بِهِمَا، يَشْتَرِيَانِ وَيَبِيعَانِ، هَذَا في بَلَدٍ وَهَذَا في بَلَدٍ، وَلَا رَأْسَ مَالٍ لَهُمَا.
قُلْت: فَإِنْ اجْتَمَعَا في صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، فَاشْتَرَيَا رَقِيقًا بِوُجُوهِهِمَا وَلَيْسَ لَهُمَا رَأْسُ مَالٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّهُ جَائِزٌ، وَالشَّرِكَةُ في هَذِهِ الرَّقِيقِ إذَا اجْتَمَعَا في شِرَائِهِمَا في صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، كَانَتْ الرَّقِيقُ بَيْنَهُمَا وَهُمَا شَرِيكَانِ في هَذِهِ الرَّقِيقِ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، لِأَنَّ رَجُلَيْنِ لَوْ اشْتَرَيَا رَقِيقًا بِنَسِيئَةٍ، كَانَ شِرَاؤُهُمَا جَائِزًا وَكَانَ الرَّقِيقُ بَيْنَهُمَا.
قُلْت: فَإِنْ اشْتَرَيَا هَذِهِ الرَّقِيقَ في صَفْقَةٍ بِالدَّيْنِ، عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَمِيلٌ بِمَا عَلَى صَاحِبِهِ، أَيَجُوزُ هَذَا أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: فَمَا فَرْقُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ اجْتَمَعَا في شِرَاءِ هَذِهِ الرَّقِيقِ في صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَبَيْنَ اللَّذَيْنِ اشْتَرَكَا في شِرَاءِ الرَّقِيقِ وَبَيْعِهَا، عَلَى أَنَّهُمَا شَرِيكَانِ في كُلِّ مَا يَشْتَرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الرَّقِيقِ وَيَبِيعُ؟ جَوَّزْتَ الشَّرِكَةَ لِلَّذَيْنِ اجْتَمَعَا في صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَمْ تُجِزْهَا لِهَذَيْنِ اللَّذَيْنِ اشْتَرَكَا وَفَوَّضَ بَعْضُهُمَا إلَى بَعْضٍ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْبَائِعَ هَاهُنَا، إنَّمَا وَقَعَتْ عُهْدَتُهُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا إذَا اشْتَرَيَا في صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ رَضِيَا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَمِيلٌ ضَامِنٌ بِمَا عَلَى صَاحِبِهِ بَعْضُهُمَا عَلَى بَعْضٍ.
وَأَمَّا اللَّذَانِ فَوَّضَ بَعْضُهُمَا إلَى بَعْضٍ، فَالْبَائِعُ إنَّمَا بَاعَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يَبِعْ الْآخَرَ، وَإِنَّمَا اشْتَرَكَا هَذَانِ اللَّذَانِ تَفَاوَضَا بِالذِّمَمِ.
وَلَيْسَ تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِالذِّمَمِ وَإِنَّمَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِالْأَمْوَالِ أَوْ بِالْأَعْمَالِ بِالْأَيْدِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَقْعَدْت رَجُلًا في حَانُوتِي وَقُلْت لَهُ: أَتَقَبَّلُ عَلَيْكَ الْمَتَاعَ وَتَعْمَلُ أَنْتَ، عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ فَبَيْنَنَا نِصْفينِ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الشَّرِكَةَ بِغَيْرِ مَالٍ أَتَجُوزُ؟
قَالَ: الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ، أَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا عَلَى التَّكَافُؤِ في الْأَمْوَالِ، وَمَا سَمِعْتُ مِنْهُ في الذِّمَمِ شَيْئًا.
قَالَ: وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ الشَّرِكَةَ بِالذِّمَمِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا تَصْلُحُ الشَّرِكَةُ إلَّا في الْمَالِ وَالْعَيْنِ وَالْعَمَلِ، وَلَا تَصْلُحُ الشَّرِكَةُ بِالذِّمَمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شِرَاؤُهُمَا في سِلْعَةٍ حَاضِرَةٍ أَوْ غَائِبَةٍ، إذَا حَضَرَا جَمِيعًا الشِّرَاءَ وَكَانَ أَحَدُهُمَا حَمِيلًا بِالْآخَرِ.
قُلْت: فَإِنْ اشْتَرَكَا بِغَيْرِ مَالٍ اشْتَرَكَا بِوُجُوهِهِمَا، عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِالدَّيْنِ وَيَبِيعَا.
فَاشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِلْعَةً عَلَى حِدَةٍ، أَيَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ مَا اشْتَرَى صَاحِبُهُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا تُعْجِبُنِي هَذِهِ الشَّرِكَةُ.
قُلْت: أَتَحْفَظُ هَذَا عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِهِ السَّاعَةَ، وَقَدْ أَخْبَرْتُكَ في أَوَّلِ مَسَائِلِ الشَّرِكَةِ بِمَا حَفِظْتُ عَنْ مَالِكٍ في هَذَا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ عَامِرِ بْنِ مُرَّةَ الْيَحْصُبِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ في رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا في بِيَعٍ بِنَقْدِ أَحَدِهِمَا، قَالَ رَبِيعَةُ: لَا يَصْلُحُ هَذَا وَقَالَ اللَّيْثُ مِثْلَهُ.

.(في الصُّنَّاعِ يَشْتَرِكُونَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا في حَانُوتٍ وَاحِدٍ):

في الصُّنَّاعِ يَشْتَرِكُونَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا في حَانُوتٍ وَاحِدٍ وَبَعْضُهُمْ أَعْمَلُ مِنْ صَاحِبِهِ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ الصَّبَّاغِينَ أَوْ الْخَيَّاطِينَ، إذَا اشْتَرَكُوا عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا في حَانُوتٍ وَاحِدٍ، وَبَعْضُهُمْ أَفْضَلُ عَمَلًا مَنْ بَعْضٍ، أَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمْ؟
قَالَ مَالِكٌ: إذَا اشْتَرَكُوا عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا في حَانُوتٍ وَاحِدٍ، فَالشَّرِكَةُ جَائِزَةٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالنَّاسُ في الْأَعْمَالِ، لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ أَفْضَلَ عَمَلًا مِنْ بَعْضٍ.

.في الصَّانِعَيْنِ يَشْتَرِكَانِ بِعَمَلِ أَيْدِيهِمَا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْحَدَّادِينَ وَالْقَصَّارِينَ وَالْخَيَّاطِينَ وَالْخَرَّازِينَ وَالصَّوَّاغِينَ وَالسَّرَّاجِينَ وَالْفَرَّانِينَ وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْأَعْمَالَ، هَلْ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَشْتَرِكُوا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَتْ الصِّنَاعَةُ وَاحِدَةً، خَيَّاطَيْنِ أَوْ قَصَّارَيْنِ أَوْ حَدَّادَيْنِ أَوْ فَرَّانَيْنِ، اشْتَرَكَا جَمِيعًا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا في حَانُوتٍ وَاحِدٍ، فَذَلِكَ جَائِزٌ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَا فيعْمَلَانِ هَذَا في حَانُوتٍ، وَهَذَا في حَانُوتٍ، أَوْ هَذَا في قَرْيَةٍ، وَهَذَا في قَرْيَةٍ أُخْرَى، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَا، وَأَحَدُهُمَا حَدَّادٌ وَالْآخَرُ قَصَّارٌ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا حَدَّادَيْنِ جَمِيعًا أَوْ قَصَّارَيْنِ جَمِيعًا عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَكَا عَلَى عَمَلِ أَيْدِيهِمَا وَهُمَا قَصَّارَانِ وَلَا يَحْتَاجَانِ إلَى رَأْسِ مَالٍ، فَاشْتَرَكَا عَلَى أَنَّ عَلَى هَذَا مِنْ الْعَمَلِ الثُّلُثَ، وَعَلَى هَذَا الثُّلُثَيْنِ، عَلَى أَنَّ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ مِنْ كُلِّ مَا يُصِيبَانِ الثُّلُثَ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ مِنْ كُلِّ مَا يُصِيبَانِ الثُّلُثَيْنِ، وَعَلَى أَنَّ عَلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثَ الضِّيَاعِ، وَعَلَى صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ ثُلُثَيْ الضِّيَاعِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
مِثْلُ الشَّرِكَةِ في الدَّرَاهِمِ.
لِأَنَّهُمَا إذَا اشْتَرَكَا بِعَمَلِ أَيْدِيهِمَا، جُعِلَ عَمَلُ أَيْدِيهِمَا مَكَانَ الدَّرَاهِمِ.
فَمَا جَازَ في الدَّرَاهِمِ جَازَ في عَمَلِ أَيْدِيهِمَا.
قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ قَصَّارُونَ، أَوْ جَمَاعَةٌ حَدَّادُونَ في حَانُوتٍ وَاحِدٍ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ احْتَاجَ الصَّبَّاغُونَ إلَى رَأْسِ مَالٍ أَوْ أَهْلُ الْأَعْمَالِ مِمَّنْ سِوَاهُمْ، كَيْفَ يَشْتَرِكَانِ؟
قَالَ: يُخْرِجَانِ رَأْسَ الْمَالِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، فيشْتَرِكَانِ في أَعْمَالِهِمَا يَعْمَلَانِ جَمِيعًا.
قُلْت: فَإِنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ الثُّلُثَيْنِ،
وَأَخْرَجَ الْآخَرُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ الثُّلُثَ، عَلَى أَنْ يَعْمَلَا جَمِيعًا فَمَا أَصَابَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفينِ؟
قَالَ: لَا تَجُوزُ هَذِهِ الشَّرِكَةُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَإِنْ اشْتَرَكَا فَأَخْرَجَ أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَالْآخَرُ الثُّلُثَيْنِ، فَاشْتَرَكَا عَلَى أَنَّ عَلَى صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ مِنْ الْعَمَلِ الثُّلُثَيْنِ، وَعَلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ مِنْ الْعَمَلِ الثُّلُثَ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ: لِصَاحِبِ الثُّلُثِ الثُّلُثُ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ الثُّلُثَانِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ في الرَّجُلَيْنِ يَشْتَرِكَانِ عَلَى أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ مَنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَيُخْرِجَ الْآخَرُ الثُّلُثَيْنِ، عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ وَالرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ.
قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ في هَذِهِ الشَّرِكَةِ.
قَالَ وَإِنْ اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا ثُلُثَا رَأْسِ الْمَالِ، وَمِنْ الْآخَرِ الثُّلُثُ، عَلَى أَنَّ عَلَى صَاحِب الثُّلُثَيْنِ ثُلُثَيْ الْعَمَلِ، وَعَلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثُ الْعَمَلِ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ، لِصَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ الثُّلُثَانِ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ الثُّلُثُ، وَالْوَضِيعَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: هَذَا جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ الشَّرِيكَانِ في الْقِصَارَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَالصِّبَاغَةِ وَجَمِيعِ أَهْلِ الْأَعْمَالِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِأَيْدِيهِمْ، إذَا احْتَاجُوا إلَى رَأْسِ مَالٍ يَعْمَلُونَ بِهِ مَعَ عَمَلِهِمْ بِأَيْدِيهِمْ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمِنْ الْأَعْمَالِ أَعْمَالٌ لَا يَحْتَاجُونَ فيهَا إلَى رَأْسِ مَالٍ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِكُوا في عَمَلِ أَيْدِيهِمْ.

.الْقَصَّارَيْنِ يَشْتَرِكَانِ عَلَى أَنَّ الْمِدَقَّةَ وَالْقُصَارَى مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْحَانُوتَ مِنْ الْآخَرِ نِصْفَانِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَصَّارَيْنِ اشْتَرَكَا، عَلَى أَنَّ الْمِدَقَّةَ وَالْقُصَارَى وَمَتَاعَ الْقِصَارَةِ مَنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا، وَالْحَانُوتَ مَنْ عِنْدِ الْآخَرِ، عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؟
قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي هَذَا، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ.
إلَّا أَنِّي سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ في الرَّجُلِ يَأْتِي بِالدَّابَّةِ وَالْآخَرِ بِالرَّحَا، فيعْمَلَانِ كَذَلِكَ، اشْتَرَكَا عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ: أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ.
فَأَرَى مَسْأَلَتُكَ مِثْلَ هَذَا، أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ إذَا كَانَتْ إجَارَتُهُمْ مُخْتَلِفَةً.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَكَ قَصَّارَانِ، مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا الْمِدَقَّةُ وَالْقُصَارَى، وَجَمِيعُ الْأَدَاةِ تَطَاوَلَ بِذَلِكَ عَلَى صَاحِبِهِ، عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، أَيَجُوزُ هَذَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا خَيْرَ في هَذِهِ الشَّرِكَةِ إذَا كَانَ لِلْأَدَاةِ قَدْرٌ وَقِيمَةٌ كَبِيرَةٌ، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في الرَّجُلَيْنِ يَشْتَرِكَانِ في الزَّرْعِ، وَتَكُونُ الْأَرْضُ لِأَحَدِهِمَا، لَهَا قَدْرٌ مِنْ الْكِرَاءِ، فَاشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يُلْغِيَ صَاحِبُ الْأَرْضِ كِرَاءَهَا لِصَاحِبِهِ، وَيُخْرِجَا مَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْعَمَلِ وَالْبَذْرِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ.
قَالَ: لَا خَيْرَ في ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يُخْرِجَ الَّذِي لَا أَرْضَ لَهُ نِصْفَ كِرَاءِ الْأَرْضِ وَيَكُونَ جَمِيعُ الْعَمَلِ وَالْبَذْرِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ.
فَكَذَلِكَ الشَّرِكَةُ في الْعَمَلِ بِالْأَيْدِي لَا تَصْلُحُ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَدَاةُ مِنْهُمَا جَمِيعًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَتْ أَدَاةُ الْعَمَلِ مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا، فَاسْتَأْجَرَ شَرِيكُهُ الَّذِي لَا أَدَاةَ عِنْدَهُ نِصْفَ تِلْكَ الْأَدَاةِ، وَاشْتَرَكَا عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؟
قَالَ: هَذَا جَائِزٌ، مِثْلُ الشَّرِيكَيْنِ في الزَّرْعِ - وَالْأَرْضُ مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا - عَلَى أَنَّ نِصْفَ كِرَاءِ الْأَرْضِ عَلَى شَرِيكِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ تَطَاوَلَ عَلَيْهِ بِالشَّيْءِ الْقَلِيلِ مِنْ أَدَاةِ الْقِصَارَةِ مِثْلُ الْمِدَقَّةِ وَالْقَصْرِيَّةِ؟
قَالَ: إنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا تَافِهًا لَا قَدْرَ لَهُ في الْكِرَاءِ، فَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا.
لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في الشَّرِيكَيْنِ في الزَّرْعِ، يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا الْأَرْضُ، وَلَا خَطْبَ لَهَا في الْكِرَاءِ فَرُبَّ بُلْدَانٍ، لَا تَكُونُ لِلْأَرْضِ عِنْدَهُمْ كَبِيرُ كِرَاءٍ، مِثْلُ بَعْضِ أَرْضِ الْمَغْرِبِ وَمَا أَشْبَهَهَا، تَكُونُ الْأَرْضُ الْعَظِيمَةُ كِرَاؤُهَا الشَّيْءُ الْيَسِيرُ.
قَالَ مَالِكٌ: فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يُلْغِيَ كِرَاءَ الْأَرْضِ، فَلَا يَأْخُذُ لَهَا كِرَاءً، إذَا كَانَ كِرَاؤُهَا تَافِهًا يَسِيرًا، وَيَكُونُ مَا بَقِيَ بَعْدَ كِرَاءِ هَذِهِ الْأَرْضِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ.

.الرِّجَالِ يَأْتِي أَحَدُهُمْ بِالْبَيْتِ وَآخَرُ بِالرَّحَا وَآخَرُ بِالْبَغْلِ فيشْتَرِكُونَ عَلَى أَنَّ مَا أَطْعَمَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَكْنَا ثَلَاثَةَ نَفَرٍ: لِي بَيْتٌ وَلِصَاحِبِي الرَّحَا وَلِصَاحِبِي الْآخَرِ الْبَغْلُ عَلَى أَنَّ مَا أَصَبْنَا مَنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَنَا سَوَاءٌ.
وَجَهِلْنَا أَنْ يَكُونَ هَذَا غَيْرَ جَائِزٍ، فَعَمِلْنَا عَلَى هَذَا فَأَصَبْنَا مَالًا؟
قَالَ: يُقَسَّمُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا إنْ كَانَ كِرَاءُ الْبَيْتِ وَالدَّابَّةِ وَالرَّحَا مُعْتَدِلًا.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا قَالَ: يُقَسَّمُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، لِأَنَّ رُءُوسَ أَمْوَالِهِمْ عَمَلُ أَيْدِيهِمْ، فَقَدْ تَكَافَئُوا فيهِ.
وَيَرْجِعُ مَنْ لَهُ فَضْلُ كِرَاءٍ في مَتَاعِهِ عَلَى صَاحِبِهِ.
قُلْت: فَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا شَيْئًا؟
قَالَ: يَتَرَادُّونَ الْفَضْلَ فيمَا بَيْنَهُمْ، وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، إنْ لَمْ يُصِيبُوا شَيْئًا بِفَضْلِ الْكِرَاءِ، وَهُوَ عِنْدِي مِثْلُ مَا قَالَ مَالِكٌ.

.(في الرَّجُلَيْنِ يَشْتَرِكَانِ، يَأْتِي أَحَدُهُمَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَالْآخَرُ بِخَمْسِينَ):

في الرَّجُلَيْنِ يَشْتَرِكَانِ، يَأْتِي أَحَدُهُمَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَالْآخَرُ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا، عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا بِنِصْفينِ.
قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فيهِ وَيُقَسِّمَانِ الرِّبْحَ عَلَى قَدْرِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمَا، وَيُقَامُ لِصَاحِبِ الْخَمْسِينَ الزَّائِدَةِ عَمَلُهُ في خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا.
لِأَنَّ الْخَمْسِينَ الزَّائِدَةَ عَمِلَا فيهَا جَمِيعًا، فَعَمِلَ صَاحِبُ الْخَمْسِينَ الزَّائِدَةِ في خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْهَا، وَعَمِلَ صَاحِبُهُ في خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْهَا مِنْ الْخَمْسِينَ الزَّائِدَةِ، فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فيمَا عَمِلَ.
فَإِنْ لَمْ يَرْبَحَا وَوَضَعَا، كَانَتْ الْوَضِيعَةُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمَا، وَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْخَمْسِينَ أَجْرُ عَمَلِهِ في الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ الزَّائِدَةِ الَّتِي عَمِلَ فيهَا.
قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَأْتِي بِالرَّحَا وَيَأْتِي الْآخَرُ بِالدَّابَّةِ، يَعْمَلَانِ جَمِيعًا، عَلَى أَنَّ مَا اكْتَسَبَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا.
قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ في ذَلِكَ، فَلَمَّا قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ في ذَلِكَ، فَسَّرْنَا مَا سَأَلْتَنَا عَنْهُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي كَرِهَهَا مَالِكٌ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَكُوا عَلَى أَنَّ الرَّحَا مِنْ أَحَدِهِمْ وَالْبَيْتَ مَنْ آخَرَ وَالدَّابَّةَ مِنْ آخَرَ، عَلَى أَنَّ عَلَى رَبِّ الْبَغْلِ الْعَمَلَ فَعَمِلَ عَلَى هَذَا؟
قَالَ: الْعَمَلُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ الَّذِي عَمِلَ، وَعَلَيْهِ أَجْرُ الرَّحَا وَالْبَيْتِ.
قُلْت: وَإِنْ لَمْ يُصِبْ شَيْئًا؟
قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْ شَيْئًا.
قُلْت: لِمَ جَعَلْتَ جَمِيعَ الْعَمَلِ لِهَذَا الَّذِي شَرَطُوا عَلَيْهِ الْعَمَلَ، وَلَمْ تَجْعَلْ أَصْحَابَهُ مَعَهُ شُرَكَاءَ في الرَّحَا وَالْبَيْتِ، وَقَدْ أَشْرَكْتَ بَيْنَ الَّذِينَ عَمِلُوا بِأَيْدِيهِمْ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؟
قَالَ: لِأَنَّ أُولَئِكَ لَمْ يُسَلِّمْ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ مَا في يَدَيْهِ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ آجَرَ بَعْضًا سِلْعَتَهُ، عَلَى أَنْ اشْتَرَكُوا في الْعَمَلِ بِأَيْدِيهِمْ.
وَأَنَّ هَذَا الَّذِي سَأَلْتَ الَّذِي شَرَطَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ وَحْدَهُ وَلَمْ يَعْمَلْ أَصْحَابُهُ مَعَهُ، أَسْلَمَ إلَيْهِ الرَّحَا وَالْبَيْتَ فَعَمِلَ بِهَا، فَهُوَ كَأَنَّهُ أُعْطَى رَحًا وَبَيْتًا، وَقِيلَ لَهُ اعْمَلْ فيهِ، عَلَى أَنَّ لَك نِصْفَ مَا تَكْتَسِبُ وَلَنَا النِّصْفَ أَوْ الثُّلُثَ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتَأْجَرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بِثُلُثِ أَوْ بِنِصْفِ مَا يَكْتَسِبُ فيهَا.
فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِهَا.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ في الرَّجُلِ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ دَابَّتَهُ أَوْ سَفينَتَهُ، يَعْمَلُ عَلَيْهَا عَلَى أَنَّ نِصْفَ مَا يَكْسِبُ عَلَيْهَا.
قَالَ: مَا أَصَابَ عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ السَّفينَةِ فَهُوَ لَهُ، وَيُعْطِي رَبَّ الدَّابَّةِ أَجْرَ مِثْلِهَا.
فَالرَّحَا وَالْبَيْتُ عِنْدِي مِثْلُ الدَّابَّةِ الَّتِي يَعْمَلُ عَلَيْهَا عَلَى النِّصْفِ عِنْدَ مَالِكٍ.
وَإِنَّمَا قَسَّمْتُ الْمَالَ في هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْأَبَدَانِ، وَجَعَلْتُ الْأَبْدَانَ رُءُوسَ أَمْوَالِهِمْ.
لِأَنَّ مَا أَخْرَجُوا مِنْ الْمَتَاعِ لَهُ أُجْرَةٌ، وَقَدْ تَكَافَئُوا في عَمَلِهِمْ بِأَيْدِيهِمْ.
فَإِذَا كَانَ إجَارَةُ مَا أَخْرَجُوا مِنْ الْمَتَاعِ مُعْتَدِلًا، فَقَدْ أَكْرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَتَاعَهُ بِمَتَاعِ صَاحِبِهِ، وَكَانَتْ الشَّرِكَةُ صَحِيحَةً.
أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ أَرَادُوا أَنْ يَشْتَرِكُوا - وَالْمَتَاعُ مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمْ - فَاكْتَرَوْا مِنْهُ ثُلُثَيْ مَا في يَدَيْهِ، لَجَازَتْ شَرِكَتُهُمْ إذَا اعْتَدَلَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بَيْنَهُمْ؟ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْءٌ عَلَى حِدَةٍ، وَكِرَاؤُهُمْ مُعْتَدِلًا، أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَأَنَّهُ أَكْرَى مَتَاعَهُ بِمَتَاعِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا أَعْطَى مَنْ لَهُ فَضْلٌ مَا بَقِيَ مِنْ فَضْلِهِ، وَلَمْ تَكُنْ الدَّوَابُّ رُءُوسَ أَمْوَالٍ مِثْلُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إذَا اخْتَلَفَتْ، بِأَنْ يُخْرِجَ هَذَا مِائَتَيْنِ وَهَذَا مِائَةً وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا شَطْرَيْنِ وَالْوَضِيعَةُ كَذَلِكَ، فيكُونُ الرِّبْحُ لِرَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَاجِرَ وَالرِّجَالُ يُؤَاجِرُونَ، فيقَسِّمُ الْفَضْلَ عَلَى الْمَالِ وَيُعْطِي الرِّجَالَ الَّذِينَ تَجُوزُ إجَارَتُهُمْ عَمَلَ مِثْلِهِمْ، فيمَا أَعَانُوا مَنْ لَهُ الْفَضْلُ في رَأْسِ مَالِهِ، كَانَ في ذَلِكَ رِبْحٌ أَوْ وَضِيعَةٌ.
أَوْ لَا تَرَى لَوْ أَنَّ صَاحِبَ الْمِائَتَيْنِ، شَرَطَ عَلَى صَاحِبِ الْمِائَةِ الْعَمَلَ لَكَانَ فَاسِدًا.
فَإِنْ وَقَعَ فَضْلٌ أَوْ كَانَتْ وَضِيعَةٌ، فَعَلَى الْمَالِ وَلِلْمَالِ، لِأَنَّهُ لَا يُؤَاجِرُ وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ. وَأَعْطَى الْعَامِلَ أُجْرَةَ مِثْلِهِ فيمَا عَمِلَ في صَاحِبِ الْمِائَتَيْنِ؟ أَوْ لَا تَرَى أَنَّ الَّذِينَ اشْتَرَكُوا بِأَيْدِيهِمْ وَأَخْرَجُوا الرَّحَا وَالْبَيْتَ وَالْبَغْلَ، لَمَّا شَرَطُوا الْعَمَلَ عَلَى رَبِّ الْبَغْلِ، كَانَ الرِّبْحُ لَهُ وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَجْرُ الرَّحَا وَالْبَيْتِ، لِأَنَّ لَهُمْ أَجْرَهُ وَصَارَ عَمَلُهُ كَأَنَّهُ رَأْسُ الْمَالِ؟ وَهَذَا مَذْهَبُ أَصْلِ قَوْلِ مَالِكٍ.

.(في الصانعين المشتركين بعمل أيديهما يمرض أحدهما أو يغيب):

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَصَّارَيْنِ أَوْ حَدَّادَيْنِ أَوْ أَهْلَ الصِّنَاعَاتِ كُلَّهُمْ اشْتَرَكَا، أَهْلُ نَوْعٍ، عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا، فَمَرِضَ أَحَدُهُمَا وَعَمِلَ الْآخَرُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا اشْتَرَكَا وَكَانَا في حَانُوتٍ، فَمَرِضَ أَحَدُهُمَا وَعَمِلَ الْآخَرُ، وَالْعَمَلُ بَيْنَهُمَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ إنْ غَابَ أَحَدُهُمَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَعَمِلَ الْآخَرُ، فَالْعَمَلُ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ جَائِزٌ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَكِنْ إنْ مَرِضَ فَتَطَاوَلَ بِهِ مَرَضُهُ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ، وَغَابَ فَتَطَاوَلَ ذَلِكَ، فَهَذَا يَتَفَاحَشُ.
فَإِنْ عَمِلَ الْحَاضِرُ وَالصَّحِيحُ، فَأُحِبُّ أَنْ يَجْعَلَ نِصْفَ الْعَمَلِ لِشَرِيكِهِ الْغَائِبِ أَوْ الْمَرِيضِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، كَانَ بَيْنَهُمَا في أَصْلِ الشَّرِكَةِ أَنَّهُ: مَنْ مَرِضَ مِنَّا الْمَرَضَ الطَّوِيلَ، أَوْ غَابَ مِثْلَ الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ، فَمَا عَمِلَ الْآخَرُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا.
فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا الشَّرْطُ، وَأَرَادَ الْعَامِلُ أَنْ يُعْطِيَ الْمَرِيضَ أَوْ الْغَائِبَ نِصْفَ مَا عَمِلَ، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ بَيْنَهُمَا فَالشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ.
قُلْت: تَحْفَظُ هَذَا عَنْ مَالِكٍ في الْمَرَضِ الطَّوِيلِ وَالْغَيْبَةِ الطَّوِيلَةِ؟
قَالَ: لَا، إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: يَتَعَاوَنُ الشَّرِيكَانِ في الْمَرَضِ وَالشُّغْلِ فَحَمَلْتُ أَنَا ذَلِكَ عَلَى الْمَرَضِ الْخَفيفِ وَالْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ هَذَا الشَّرْطُ بَيْنَهُمَا وَأَفْسَدَتْ هَذِهِ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا، كَيْفَ يَصْنَعُ بِمَا عَمِلَا؟
قَالَ: يَكُونُ مَا عَمِلَا إلَى يَوْمِ مَرِضَ أَوْ غَابَ، بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِمَا.
وَمَا عَمِلَ الصَّحِيحُ بَعْدَ الْمَرِيضِ أَوْ الْحَاضِرُ بَعْدَ الْغَائِبِ فَذَلِكَ لِلْعَامِلِ، وَلَا يَكُونُ لِصَاحِبِهِ فيهِ شَيْءٌ.

.في الصَّانِعَيْنِ الشَّرِيكَيْنِ بِعَمَلِ أَيْدِيهِمَا يَضْمَنُ أَحَدُهُمَا مَا دَفَعَ إلَى شَرِيكِهِ يَعْمَلُهُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَصَّارَيْنِ اشْتَرَكَا أَوْ خَيَّاطَيْنِ، أَيَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَقْبَلُ صَاحِبُهُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: شَرِكَتُهُمَا جَائِزَةٌ.
فَأَرَى ضَمَانَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَائِزًا عَلَى صَاحِبِهِ، وَصَاحِبُهُ ضَامِنٌ لِمَا ضَمِنَ هَذَا.
فَأَرَى أَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَمَانَ مَا ضَمِنَ صَاحِبُهُ مِنْ عَمَلِهِمَا.

.(الشَّرِيكَيْنِ بِعَمَلِ أَيْدِيهِمَا يَدْفَعُ إلَى أَحَدِهِمَا الْعَمَلَ يَعْمَلُهُ فيغِيبُ):

الشَّرِيكَيْنِ بِعَمَلِ أَيْدِيهِمَا يَدْفَعُ إلَى أَحَدِهِمَا الْعَمَلَ يَعْمَلُهُ فيغِيبُ أَوْ يُفَاصِلُ شَرِيكَهُ أَيُلْزَمُ بِمَا دَفَعَ إلَى شَرِيكِهِ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ دَفَعْت إلَى خَيَّاطٍ ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ، فَغَابَ الَّذِي دَفَعْت إلَيْهِ الثَّوْبَ فَأَصَبْتُ شَرِيكَهُ، أَيَكُونُ لِي أَنْ أُلْزِمَهُ بِخِيَاطَةِ الثَّوْبِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ افْتَرَقَا، فَلَقِيتُ الَّذِي لَمْ ادْفَعْ إلَيْهِ الثَّوْبَ، أَيَكُونُ لِي أَنْ أُلْزِمَهُ بِخِيَاطَةِ الثَّوْبِ في قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: لِمَ وَقَدْ افْتَرَقَا؟
قَالَ: لِأَنَّ عُهْدَتَكَ وَقَعَتْ عَلَيْهِمَا قَبْلَ فُرْقَتِهِمَا، فَلَكَ أَنْ تَأْخُذَ أَيَّهُمَا شِئْتَ بِعَمَلِكَ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ عَنْ صَاحِبِهِ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ أَنِّي بِعْتُ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ، ثُمَّ افْتَرَقَا، فَلَقِيتُ الَّذِي لَمْ أَبِعْهُ شَيْئًا بَعْد فُرْقَتِهِمَا، أَيَكُونُ لِي أَنْ آخُذَهُ بِالدَّيْنِ؟
قَالَ: نَعَمْ، لِأَنَّ عُهْدَتَكَ وَقَعَتْ عَلَيْهِمَا قَبْلَ فُرْقَتِهِمَا.
وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِمَا عَلَى صَاحِبِهِ.

.في شَرِكَةِ الْأَطِبَّاءِ وَالْمُعَلِّمِينَ:

قُلْت: هَلْ تَجُوزُ شَرِكَةُ الْأَطِبَّاءِ، يَشْتَرِكُ رَجُلَانِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَا في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، يُعَالِجَانِ وَيَعْمَلَانِ، فَمَا رَزَقَ اللَّهُ فَبَيْنَهُمَا نِصْفينِ؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الْمُعَلِّمَيْنِ يَشْتَرِكَانِ في تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ، عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ فَبَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؟
قَالَ: إنْ كَانَا في مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
قَالَ: وَإِنْ تَفَرَّقَا في مَجْلِسِهِمَا فَلَا خَيْرَ في ذَلِكَ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ الْأَطِبَّاءُ عِنْدِي، إذَا كَانَ مَا يَشْتَرِيَانِهِ مِنْ الْأَدْوِيَةِ، إنْ كَانَ لَهُ رَأْسُ مَالٍ يَكُونُ بَيْنَهُمَا جَمِيعًا بِالسَّوِيَّةِ.

.في شَرِكَةِ الْحَمَّالَيْنِ عَلَى رُءُوسِهِمَا أَوْ دَوَابِّهِمَا:

قُلْت: هَلْ تَجُوزُ الشَّرِكَةُ - في قَوْلِ مَالِكٍ - بَيْنَ الْجَمَّالِينَ وَالْبَغَّالِينَ وَالْحَمَّالِينَ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَجَمِيعِ الْأَكْرِيَاءِ الَّذِينَ يَكْرُونَ الدَّوَابَّ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ.
قُلْت: لِمَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؟ وَلِمَ لَا يُجْعَلُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الشَّرِكَةِ في عَمَلِ الْأَيْدِي؟
قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا، لَمْ يُجَوِّزْ الشَّرِكَةَ في عَمَلِ الْأَيْدِي إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا في حَانُوتٍ وَاحِدٍ، وَيَكُونَ عَمَلُهُمَا نَوْعًا وَاحِدًا، سَرَّاجَيْنِ أَوْ خَيَّاطَيْنِ، وَدَوَابُّ هَذَا تَعْمَلُ في نَاحِيَةٍ، وَدَوَابُّ هَذَا تَعْمَلُ في نَاحِيَةٍ، فَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ، إلَّا أَنْ يَعْمَلَا في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لَا يَخْتَلِفَانِ، مِثْلُ أَنْ يَتَقَبَّلَا الشَّيْءَ يَحْمِلَانِهِ جَمِيعًا، وَيَتَعَاوَنَانِ فيهِ جَمِيعًا.
أَلَا تَرَى أَيْضًا أَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَجُوزُ بَيْنَ أَهْلِ الصِّنَاعَاتِ إذَا كَانَتْ الْأَدَاةُ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ؟ وَلَمْ يُجَوِّزْ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا إذَا كَانَتْ الْأَدَاةُ بَعْضُهَا مِنْ هَذَا وَبَعْضُهَا مِنْ هَذَا، إذَا كَانَتْ الْأَدَاةُ كَثِيرَةً لَهَا قِيمَةٌ مُخْتَلِفَةٌ، حَتَّى يَكُونَا شَرِيكَيْنِ في جَمِيعِ الْأَدَاةِ.
فَتَكُونُ الْأَدَاةُ الَّتِي يَعْمَلَانِ بِهَا بَيْنَهُمَا جَمِيعًا، فَمَا ضَاعَ مِنْهَا أَوْ تَلِفَ، فَمِنْهُمَا جَمِيعًا.
وَمَا سَلِمَ مِنْهَا فَمِنْهُمَا جَمِيعًا.
وَإِنْ كَانَتْ الْأَدَاةُ تَافِهَةً يَسِيرَةً، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَطَاوَلَ بِهَا أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ.
فَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الشَّرِكَةَ بِالدَّوَابِّ غَيْرُ جَائِزَةٍ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الَّذِي لَا أَدَاةَ لَهُ مَنْ شَرِيكِهِ نِصْفَ الْأَدَاةِ، وَاشْتَرَكَا كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا عَلَى مِثْلِ الشَّرِكَةِ في الْأَرْضِ.
وَقَدْ فَسَّرْتُ لَكَ ذَلِكَ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ رَوَى ابْنُ غَانِمٍ في شَرِكَةِ الْحَرْثِ عَنْ مَالِكٍ اخْتِلَافًا فيمَا يُخْرِجَانِ مِنْ الْبَقَرِ وَالْأَدَاةِ، ذَكَرَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ الْبَقَرُ وَالْأَدَاةُ بَيْنَهُمَا، فَتَكُونَ الْمُصِيبَةُ مِنْهُمَا جَمِيعًا.
وَرَوَى غَيْرُهُ - وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ - إذَا كَانَ مَا يُخْرِجُ هَذَا مِنْ الْبَقَرِ وَالْأَدَاةِ، وَيُخْرِجُ مِنْ الْمُمْسِكِ وَالْأَرْضِ مُسْتَوِيَةً في كِرَائِهِ، أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ بَعْدَ أَنْ يَعْتَدِلَا في الزَّرِيعَةِ.
قُلْت: فَمَا تَقُولُ في الدَّابَّةِ، تَكُونُ لِرَجُلٍ، فيأْتِيهِ رَجُلٌ فيسْتَأْجِرُ نِصْفَهَا، ثُمَّ يَشْتَرِكَانِ في الْعَمَلِ عَلَيْهَا، فَمَا أَصَابَا فَبَيْنَهُمَا؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ.
وَمَا سَمِعْتُ في هَذَا شَيْئًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ لِي بَغْلٌ وَلِصَاحِبِي بَغْلٌ، فَاشْتَرَكْنَا عَلَى الْحُمُولَةِ الَّتِي تُحْمَلُ عَلَى الْبَغْلَيْنِ؟
قَالَ: مَا أَرَى بَأْسًا إذَا كَانَا يَحْمِلَانِ جَمِيعًا.
فيحْمِلَانِ عَلَى دَابَّتَيْهِمَا، لِأَنَّ هَذَيْنِ يَصِيرُ عَمَلُهُمَا في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ.
وَهَذَا رَأْيِي، مِثْلُ أَنْ يَتَقَبَّلَا الشَّيْءَ يَحْمِلَانِهِ إلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَا يَعْمَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ فَلَا خَيْرَ فيهِ.